التنمية الاجتماعية في موريتانيا: أي دور للمجتمع المدني؟/ د/أم كلثوم بنت حامدينو
يحتل العمل الجمعوي اليوم مكانة هامة في المجتمع، وتعرف مجالات تدخل الجمعيات توسعا يوما بعد يوم، حيث أصبح الفاعلون الجمعويون يضطلعون بمسؤوليات أساسية، كانت إلى وقت قريب حكرا على الدولة، فدور الجمعيات لم يعد كما كان في الماضي، مقتصرا على ملء الفراغ والتنشيط، وإنما أصبحت الجمعيات أداة التغيير الاجتماعي والتنمية ومؤسسات للتحسيس والتوعية “بل فضاء للتربية على المواطنة، وحقوق الإنسان ومدرسة للديمقراطية، ومجالا للتضامن والتكافل.
وإذا كانت التنمية في الماضي تعتبر من مسؤولية الدولة، فإنها اليوم تتطلب جميع أشكال التنظيم الاجتماعي، التي تمكن السكان من تحديد حاجياتهم وهيكلة نشاطهم قصد تلبية الحاجيات، مما يتطلب وجود هياكل ومؤسسات للقيام بدور التنمية، التي تعرف اليوم باعتبارها “مسلسلا شاملا، يشمل ما هو اقتصادي واجتماعي، وثقافي وسياسي، يهدف إلى التحسين المطرد لرفاهية جميع الأفراد، على أساس مشاركتهم النشطة والحرة والدالة في التنمية وفي التوزيع العادل للمنافع التي تنجم عنها”[1] وبهذا أصبحت الجمعيات شريكا لا غنى عنه في سيرورة التنمية، وذلك لكونها قادرة على الوصول إلى السكان عبر برامج فعالة وملائمة لواقعهم الثقافي والاجتماعي.
ومفهوم التنمية الذي تتبناه الجمعيات اليوم، لا يتعامل مع الإنسان كوسيلة وأداة لتحقيق التنمية، بل كغاية مستهدفة من التنمية، لأن التنمية لم تعد تحصر في مجموع وصفات تقنية تهدف إلى تحقيق أرقام اقتصادية ومالية قياسية، بل إن البعد الاستراتيجي للتنمية ينبغي أن يذهب في اتجاه تدعيم قدرات الأفراد في مجال اتخاذ القرار المتعلق بالشأنين العام والخاص.
ورغم ماشهده العمل الجمعوي في موريتانيا شهد خلال السنوات الأخيرة من حركية وتطورا ملحوظين على المستوى الكمي والنوعي، لكن ذلك لم يمنع الجمعيات من التعرض للعديد من المشاكل، التي تؤثر على إنجاز أهدافها وتنظيم أنشطتها والتنسيق مع الفاعلين الآخرين في التنمية وتتمثل هذه المشاكل في:
- ضعف التجربة والنقص في الخبرات، وغياب خطط تدخل واضحة.
- تشتت الأهداف وعدم تحديد المهام بصفة دقيقة.
- اختصار العمل على الحصول على تمويل ذاتي
- الافتقار في التكوين والتخصص في مجالات التدخل.
- غياب التنسيق والتشاور بين الجمعيات والأحزاب السياسية، وضعف التنسيق مع الجماعات والإدارات المحلية.
ورغم هذه المعوقات فإن لعمل الجمعيات في موريتانيا انعكاسات إيجابية على تنمية المجتمع المحلي، حيث ساهمت الجمعيات في التعبئة والتوعية حول العديد من المشاكل والموضوعات الحساسة والمؤثرة في حياة المجتمع، وفي تطور عقلياته، بالإضافة إلى التحسيس حول دور المرأة في المجتمع ودعم مساهمتها في التنمية وتمكينها من اقتحام مجال الشغل والإنتاج.
كما استفاد المجتمع من خدمات الجمعيات في مجال الرعاية الصحية والاجتماعية ومحو الأمية ومحاربة الفقر. وقد عملت الجمعيات على تطوير روح العمل التطوعي وترسيخ قيم التضامن والتآزر بين فئات المجتمع. وتعزز دورها في المساهمة في تنفيذ البرامج التنموية الوطنية ومساندة العمل الحكومي من خلال الآفاق التي فتحتها الدولة لإشراك المجتمع المدني في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية إثر المصادقة على دستور 20 يوليو 1991 الذي أقر الحرية الفردية والتجمعية والتعددية الحزبية.
وقد عمدت جمعيات المجتمع المدني على تقديم العديد من الخدمات يمكن تصنيفها كالتالي:
الخدمات الاجتماعية:
وتتضمن خدمات رعاية وإحاطة لفائدة كل فئات المجتمع، مع إعطاء الأسرة والطفولة والشباب والمعوقين أولوية خاصة وتشمل هذه الخدمات:
- خدمات الأسرة.
- خدمات الطفولة والشباب.
- خدمات المعوقين.
- كفالة الأيتام.
خدمات الرعاية الصحية:
وهي خدمات تقدم في المجال الصحي تتعلق بالصحة العامة والوقاية من الأمراض.
خدمات تنموية:
اعتبارا بالدور الذي يهدف له المجتمع المدني فقد عملت الجمعيات على تقديم خدمات تنموية موجهة للمجتمع المحلي ككل وللفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة.
خدمات بيئية:
تمشيا مع المفاهيم الجديدة التي برزت على الساحة العالمية والتي تحتل فيها الأنشطة البيئية مكانة هامة فقد عملت الجمعيات إلى تقديم برامج متعلقة بالمحافظة على البيئة وحماية المحيط ومكافحة التصحر وزحف الرمال إضافة إلى حملات النظافة والتوعية.
الدفاع عن الرأي والتأثير على السياسات:
في هذا الإطار أهتم المجتمع المدني بالدفاع عن حقوق الفئات الاجتماعية والعمل على نشر الوعي بهذه الحقوق عن طريق برامج التوعية القانونية والسياسية.
ويمكن للمجتمع المدني أن يعزز دوره في العمل على تنمية المجتمع والمساهمة في تحقيق الرفاه الاجتماعي من خلال تدخله في ثلاث مستويات:
- تدخل المجتمع المدني كقوة اقتراحية تقوم باقتراح الأفكار والمشاريع على الفاعلين الآخرين بحكم أنها على اتصال مباشر بالفئات المستهدفة وعلى علم باحتياجاتهم وانتظاراتهم.
- تدخل المجتمع المدني كقوة للتعبئة الاجتماعية، تعبئة الفاعلين الاجتماعية لمناصرة القضايا الاجتماعية بصفة عامة والدفاع عن حقوق المواطنين.
- تدخل المجتمع المدني كقوة ضغط وتأثير على السياسات العامة الموجهة للمجتمع لأجل تحقيق التنمية في أبعادها المتعددة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
وستكون لهذه التدخلات انعكاسات ايجابية على التنمية الاجتماعية في موريتانيا من خلال برامج التعبئة والتوعية حول العديد من القضايا المؤثرة في حياة المجتمع وهذا هو الدور الأساسي الذي ينبغي للمجتمع المدني أن يلعبه من أجل المساهمة في تطوير وتنمية المجتمع.
د/أم كلثوم بنت حامدينو
[1] – خليفة عادل الكواري، تنمية الضياع أم ضياع لفرص التنمية؟، محصلة التغيرات المصاحبة للنفط في بلدان مجلس التعاون، مركز دراسات الوحدة العربية. ط1 / بيروت 1996م. ص: 21.