مقالات

الدور المطلوب من النخب والفاعلين السياسيين القيام به لإنجاح المرحلة الانتقالية/ الدكتور ديدي ولد السالك

د . ديدي ولد السالك

didisaleck@yahoo.com 

 

 

إن تغير الثالث من أغسطس ، الذي جاء بالمجلس العسكري للعدالة والديمقراطية وأزاح نظام الإستبداد والجهل ، أعاد الأمل إلى كل الموريتانين  ، بعد أن خيم عليهم اليأس و الإحباط ، لما عرفوا من ظلم و قهر في ظل نظام الفساد والإفساد الطائعي و”مافيا” الارتزاق و التملق ، التي ما رست الفساد باسمه و تحت رعايته “السامية” ، وهو النظام الذي جثم على صدور الشعب الموريتاني طيلة الإحدى

وعشرين سنة الماضية ، وهي فترة عانى فيها كل الموريتانين من ظلم هذا النظام  رغم تباين مواقعهم ومراكزهم ، حيث آتى فيها على الأخضر واليابس ، فتم تدمير القيم وانتشرت سرقة المال العام  ونهبت الثروات الوطنية ، ومزقت عرى الوحدة الوطنية ، والنتيجة الطبيعية لهذا النوع من الممارسات الرعناء ، هو رهن مستقبل الوطن وأجياله الصاعدة لتركة ثقيلة يصعب التخلص منها في السنوات وحتى العقود القادمة .

ولكي لا يضيع بصيص الأمل الذي لاح في الأفق مع  مجيء المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية بشعاريه اللذين تطمئن إليهما النفس  “العدالة والديمقراطية”، وهو الاطمئنان الذي تعزز بما قدمه هذا المجلس من ضمانات  لإنجاح المرحلة الانتقالية ، و إنهاء عصر “ديمقراطية” النفاق والكذب والارتزاق ، والتي يمكن أن يطلق عليها (ديمقراطية المواسم “الكرنفالية” للتزوير)، وهي المواسم التي تمت فيها كل الممارسات المشينة ، التي يرفضها العقل  والمنطق و يأبها الضمير و الذوق السليم والأخلاق الحميدة، ومن أجل أن لا نعود إلى تلك الممارسات أو نضيع الفرصة السانحة، على النخب المثقفة والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والإعلاميين الشرفاء ومختلف الفاعلين الاجتماعين العمل بجد وإخلاص ، لاستغلال بارقة الأمل هذه وعدم التفريط فيها ، بوصفها فرصة ثمينة في تاريخ بلدنا العزيز ، ينبغي تكاتف الجهود لإنجاحها ، لإخراج موريتانيا من منطقة الخطر التي أوصلها إليها نظام الفساد والإفساد الطائعي إلى بر الأمان ، أي موريتانيا مزدهرة بمقدراتها الكبيرة ومتصالحة مع ماضيها العريق ، ماضي شنقيط “بلاد المنارة والرباط” ، موريتانيا التي تتسع لجميع أبنائها بدون تميز ولا إقصاء أو تهميش ، وحاضرة على المسرح الدولي، بما يتفق مع تاريخها ويعبر عن  موقعها  الاستراتيجى كجسر للتواصل  الحضاري .

ولن يتأتى ذلك إلا من خلال قيام النخب و الأحزاب السياسية و مؤسسات المجتمع المدني وكافة الفاعلين الاجتماعين ، بالدور الذي ينبغي أن يضطلعوا به في الانتقال الديمقراطي ، لأنه من غير المتصور إمكانية نجاح المرحلة الانتقالية

والوصول بموريتانيا إلى ديمقراطية فعلية وحقيقية إلا بمشاركة الجميع وبالذات النخب المثقفة والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وكل الفاعلين الاجتماعين ، الأمر الذي يجعلهم مطالبين بالمبادرة و لعب دور الريادة في إنجاح المرحلة الانتقالية ، والتخلي عن دور المتلقي أو المتفرج أو دور الضحية .

والمجالات المطلوب تدخل هذه الأطراف فيها كمتطلبات ضرورية لإنجاح المرحلة الانتقالية هي :

أولا : العمل على خلق إجماع وطني حول قواعد اللعبة الديمقراطية التي نسعى لترسيخها في بلادنا :

إن الديمقراطية التي نسعى لإيجادها وترسيخها في موريتانيا المعاصرة كمفهوم ينبغي أن يتحول إلى ممارسة فعلية يشترك الجميع في إنجازها ويستفيد من فوائدها

ومزاياها، يمكن أن نعرفها بأنها : مجموعة الآليات السياسية والقانونية والمؤسسية، التي تعطى لكافة المواطنين حق المشاركة في الشأن العام ، وتضمن التداول السلمي على السلطة والحق في حرية الرأي والتعبير والتجمع ، بما يحقق للجميع حقوقهم ومصالحهم، في ظل دولة الحق والمؤسسات، التي تكفل المساواة للجميع .

ومن خلال التعريف الذي قدمنا للديمقراطية، تتضح صورة الديمقراطية التي ندافع عنها ونسعى لإيجادها وترسيخها في موريتانيا ، وبطبيعة الحال لن يكون هذا التعريف محل إجماع من مختلف الفاعلين السياسيين ، انطلاقا من أن كل طرف سياسي ينظر إلى الديمقراطية من زاوية نظر خاصة ، تنبع من فلسفته السياسية وخلفيته الأيديولوجية والثقافية والاجتماعية ، مما يحتم على مختلف النخب الثقافية والفاعلين السياسيين و الاجتماعين ، العمل على إيجاد “مدونة سلوك” أو “ميثاق شرف” أو “ميثاق وطني” – أيا كانت التسمية – لأن العبرة بالمضمون وليس بالشكل، المهم أن يتفق على تلك الوثيقة الجميع ، ويحددوا فيها القواعد الأخلاقية والسياسة والضوابط القانونية، التي تكون محل إجماع، وتضمن ممارسة سياسة تنافسية شريفة وشفافة ، تشكل صمام أمان للجميع من الانزلاقات، التي قد تؤدي إلى انحراف الديمقراطية عن أهدافها وغاياتها أو قد تؤثر على الممارسة السياسية الحقيقية والنزيهة ، و تحول في نفس الوقت دون الإنزلاقات السياسية الخطيرة ، التي قد تجر البلد إلى عدم الاستقرار ، لأن التركيبة الاجتماعية القبلية المعقدة والتنوع العرقي في البلد ، كلها عوامل تجعل واقع البلد هشا، رغم ما  بدا لدى شعبنا من تسامح يعز نظيره في العالم اليوم .

وينبغي أن يكون “ميثاق الشرف” المنشود محلا لتشاور موسع ، سواء من خلال مؤتمر وطني تعقده الأطراف السياسية لهذا الغرض أو من خلال لجان موسعة، تمثل فيها كافة الأطراف السياسية، لأن “مدونة السلوك ” هذه أو “ميثاق الشرف” الوطني،  هما الكفيلان ، بوضع أرضية صلبة لممارسة ديمقراطية سليمة، نظرا إلى صعوبة وضعية موريتانيا الاقتصادية والاجتماعية، وما تعانيه من موروثات الماضي، التي تراكمت عبر القرون الماضية بصفة عامة والعقدين الأخيرين بصفة خاصة .

 

 

ثانيا : خلق  أرضية مشتركة  للتشاور والتنسيق بين الفاعلين السياسيين لإنجاح المرحلة الانتقالية :

من المعروف أن الساحة الفكرية والسياسية في موريتانيا تتقاسمها تيارات فكرية وإيديولوجية مختلفة المشارب و التوجهات، كأي ساحة سياسية أخرى في العالم، لكن أهم ما يميز هذه الساحة ، هو توتر علاقات التيارات السياسية

والحزبية فيها خلال العقود الماضية ، حيث ظلت الصراعات و الخلافات الحادة و الاتهامات المتبادلة وعدم الاعتراف بالآخر _ مهما كان هذا الأخر ومهما كان توجهه – هي الصفة الغالبة ، حتى وصل بعضها درجة الاستقواء بالسلطة على البعض الأخر .

و المطلوب اليوم من كل الفاعلين  السياسيين في الساحة السياسية الموريتانية الترفع عن هذا النوع من الممارسات اللاديمقراطية وتجاوز حزازات الماضي

والأحكام المسبقة ، لخلق أرضية مشتركة للتشاور والتنسيق بهدف تقريب وجهات النظر و إيجاد كل ما من شأنه إنجاح المرحلة الانتقالية والوصول إلى ديمقراطية حقيقة، تسندها مدونة من القوانين و التشريعات، تضمن استمرارها

والحيلولة دون انحرافها ، ولن يكون ذلك ممكنا إلا إذا استطاع الجميع ترك ما هو سلبي من تجربتنا الماضية، والتخلي عن الخلافات الشخصية  والحسابات الضيقة، التي تقوم على روح الإقصاء، وترك ذلك النوع من الممارسات السياسية وراء ظهورنا واعتبار المصلحة العامة الموريتانية فوق كل الاعتبارات .

لأن الديمقراطية في جوهرها، هي الاعتراف بالآخر والاعتراف له بالحق في الاختلاف في التوجه مهما كانت  فلسفته السياسية والأيديولوجية، شرط أن يكون ذلك ضمن الضوابط القانونية والأخلاقية  المتعارف عليها من قبل الرأي العام السياسي في البلد ، وذلك من أجل ضمان استمرار الممارسة الديمقراطية،  وضمان مشاركة الجميع فيها .

لأن نجاح المرحلة الانتقالية لن يكون ممكنا إلا بالتنسيق الجاد والتشاور الموسع و الحوار العميق بين كافة الفاعلين السياسيين ومؤسسات المجتمع المدني ، وكذلك مختلف الفاعلين الاجتماعين ،  فهشاشة الوضع الموريتاني في أبعاده الاجتماعية والاقتصادية و الثقافية ، تحتم ذلك بوصفه الضمانة الوحيدة لغد موريتانيي أفضل، تسوده الديمقراطية والمصالحة الوطنية و الوئام الاجتماعي .

ثالثا : ضرورة اتفاق كل الفاعلين السياسيين على تأجيل النظر في المسائل الشائكة و القضايا الخلافية إلى ما بعد المرحلة الانتقالية :

لا يختلف اثنان من الموريتانيين المهتمين بالشأن العام على أن هناك مسائل شائكة ورثناها من عهد نظام الظلم الطائعي، تنبغي معالجتها والبحث لها عن حلول موضوعية و جذرية تتناسب مع حجم الجرائم المرتكبة وحق أصحابها في جبر الأضرار التي لحقت بهم وتستجيب لتطلعات شعبنا إلى المستقبل، بالإضافة إلى التركة الثقيلة التي ورثناها من مخلفات الماضي البعيد ، والتي يجب التخلص منها و إنهائها نهائيا، بوصفها إرثا ثقيلا  ظل السواد الأعظم من شعبنا – وما يزال – يعاني من تبعاته ومضاعفاته طيلة العقود الأربعة والنصف  الماضية ، التي هي عمر الدولة الموريتانية الفتية .

 

و أولى هذه الملفات الشائكة :

هو ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، التي ارتكبها نظام الظلم الطائعي وجلاديه  وكل أدوات نظامه القمعية طيلة الإحدى وعشرين سنة الماضية التي هي عمر نظامه الكريه .

ولمعالجة ذلك لابد من محاسبة المجرمين على الجرائم التي ارتكبوها وجبر أضرار أولئك الذين تم الاعتداء عليهم وعلى حقوقهم ، مهما كان نوع ذلك الاعتداء ، لكن كل ذلك لا يمكن أن يتم إلا في ظل حكومة شرعية تحوز إجماعا وطنيا ، وتتوفر لها كل المقومات المعنوية و المادية للقيام بذلك ونذكر في هذا المقام كل الضحايا والمعنيين، إلى أن الجرائم المصنفة بأنها: جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم وفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان .

أما الملف الثاني :

والذي لا يقل خطورة عن الأول ، فيتعلق بملف المبعدين إلى السنغال، والذي نتج عن الأحداث الأليمة التي حصلت بين موريتانيا و السنغال عام 1989 ، وهو ملف تتداخل فيه القضايا الإنسانية والاجتماعية مع الأبعاد السياسية

والقانونية، مما يعني أن معالجته في المرحلة الانتقالية قد لا تكون مناسبة لجسامته وحساسيته ، بالإضافة إلى تشاك العوامل الداخلية فيه مع العوامل الخارجية، لأن هناك طرفا أجنبيا شريكا في هذه القضية وهو السنغال .

ويعتبر ملف العبودية هو ثالث هذه الملفات :

بوصف الرق أو العبودية تركة ثقيلة ورثناها عن الماضي البعيد ، ولم تتم معالجتها بالشكل الصحيح حتى الآن ، مما جعلها تتحول إلى عبئ ثقيل، ظل يلاحق الجميع – وما يزال – بأبعاده المختلفة والمتداخلة مع بعضها البعض، فهو ملف يمثل قضية إنسانية واجتماعية بكل المعاني مع خطورة أبعاده الاقتصادية والنفسية والثقافية ، ومع ذلك تبقى أيضا معالجته في المرحلة الانتقالية غير ممكنة ، لأن هذه المرحلة بكل بساطة لا تتسع لمعالجته وتسوية تبعاته الاجتماعية والاقتصادية، مع ضرورة التنبيه إلى أن العبودية المعاصرة هي : الفقر و الجهل و المرض ، وهي الأوضاع التي يعاني منها أغلب الموريتانيين وبشكل حاد في الوقت الراهن .

في حين يعتبر ملف الفساد المالي والإداري، الذي عرفته موريتانيا خلال العشرين سنة الماضية هو رابع هذه الملفات :

وهو ملف لا يقل خطورة عن سابقيه لما يتعلق به من حقوق تم تضييعها

والتلاعب بها فضلا عن المصالح العامة التي تم هدرها أو التفريط فيها .

وللموضوعية أشير إلى أن الفساد المالي والإداري ، بدأ مع وصول العسكريين إلى السلطة عام 1978 وما صاحبه من فوضى، لكن هذا الفساد المالي والإداري زادت حدته وتسارعت وتيرته مع وصول  العقيد ولد الطائع  إلى الحكم عام1984 ، وما عرفته الإدارة في عهده من تسيب و فوضى .

وقد تحول الفساد المالي والإداري المتسارع،  إلى نهب منظم للأموال العمومية وتدمير للثروات الوطنية – التي هي ملك لكل الشعب الموريتاني

وأجياله المستقبلية- في ظل ما عرف بالمسلسل “الديمقراطي” الذي انطلق عام 1991 ، والذي تحول إلى مواسم للكذب والارتزاق ونهب منظم لثروات البلد،  حيث تم خلال الأربع عشرة سنة الماضية نهب ثروات بكاملها ، سواء عن طريق تملكيها لأشخاص  بعينهم أو من خلال تبذيرها في المواسم العبثية التي عاشها البلد خلال هذه الفترة ، تحت عناوين مختلفة .

الأمر الذي يعني ضرورة محاسبة كل من ساهم في هذا النهب المنظم لثروات الشعب الموريتاني، لكن هذه المحاسبة ينبغي أن تكون من مسؤولية حكومة  منتخبة من الشعب الموريتاني نفسه، ويتوفر لها الاستقرار اللازم للقيام بهذا العمل الحساس و المعقد في نفس الوقت .

ومن الواضح أن الملفات السابقة حساسة وخطيرة في نفس الوقت ، مما يعني أن إثارتها في الوقت الراهن قد يفجر أوضاع البلد الهشة ، ويشكل عملية الهاء للفاعلين السياسيين عن الأهم، وهو إنقاذ موريتانيا من المخاطر التي تهددها، والعمل على إنجاح المرحلة الانتقالية ، بانتقال ديمقراطي سلس يوصل موريتانيا إلى بر الأمان ، ويضعها في أيدي أبنائها البررة المخلصين .

وحينئذ لن تعوز القادة الجدد – الذين افرزتهم صناديق الاقتراع – الوسائل لمعالجة هذه الملفات ، مستفيدين من تجارب بعض الدول في هذا المجال على غرار تجربة كل من المغرب وجنوب إفريقيا في القارة الإفريقية وكذلك تجارب بعض دول أمريكا اللاتينية في أمريكا الجنوبية، لأنه كما يقول المثل : “ينبغي أن لا نتقاتل على جلد الأسد قبل اصطياده ” .

رابعا : منع “المافيا” من الالتفاف على الانتقال الديمقراطي :

ينبغي على كل النخب والفاعلين السياسيين العمل بشكل جماعي من أجل منع “المافيا” من الالتفاف، على التحول  الديمقراطي الذي تسير البلد نحوه ، بوصفه النتيجة المنطقية التي من المفروض أن توصل إليها المرحلة الانتقالية إذا أديرت بشكل صحيح .

وخطورة الوضع  الراهن في موريتانيا هو أن “المافيا” الموريتانية متمرسة في إدارة شؤون البلد : حيث عايش بعضها كافة التجارب التي عرفتها موريتانيا ، سواء في السياسة أو في الحكم، فبعض هذه “المافيا” خريج “مدرسة” الاستعمار، وأخذ منها الولاء للاجنبي وروح التآمر على الوطن ، وهذا الفريق أعاد تأهيل نفسه في “مدرسة”حزب الشعب التي أخذ منها الأحادية الفكرية والسياسية وثقافة التصفيق للحاكم، والبعض الآخر خريج “مدرسة” هياكل تهذيب الجماهير، التي تدرب فيها على النزعة النفعية وثقافة الوشاية، لكن أغلبية هذه “المافيا” وأكثرها نشاطا وحيوية خريج “مدرسة” الحزب الجمهوري  “العريقة” في الكذب والنفاق وتزوير الانتخابات، التي أشرف على تأسيسها “القائد المظفر” معاوية، وخريجو هذه “المدرسة” يشكلون اليوم أغلبية تتحكم في البلد بشكل مطلق منذ العقدين الماضيين ، وما تزال نشطة في الساحة الموريتانية رغم رحيل “زعيمها الروحي”، وتمتلك كل الوسائل  المالية والقبلية والجهوية وحتى “الدينية” للاستمرار في لعب أدوارها السابقة.

وقد أطلقنا هنا صفة “المافيا” على بطانة نظام الفساد والإفساد الطائعي، لأنها تشبه “المافيا” العالمية من حيث كونها تعمل خارج إطار كل القوانين الوضعية و الشرائع السماوية، وتستخدم كل الأدوات المتاحة مهما كان نوعها للوصول إلى أهدافها الخاصة غير المشروعة، التي هي نقيض القوانين والأخلاق والمصلحة العامة للبلد، كما تستخدم كل الواجهات للتستر على نشاطاتها الإجرامية، مثلما أن لها القدرة على تجديد واجهاتها، للالتفاف على مشروع التحول الديمقراطي، وهي القدرة التي تمكنها من الخروج من الباب لتدخل من النافذة  إذا كانت قد خرجت أصلا .

ودور السياسيين الشرفاء و النخب المثقفة و الإعلاميين هنا ، هو تعرية هذه “المافيا” وكشف أنشطتها الإجرامية ضد مقدرات موريتانيا وقيم شعبها الأصيل.

وذلك من خلال :

  • – إضفاء نوع من المصداقية و الجدية على العمل السياسي، وضرورة تحلي من يتصدى للشأن العام بقيم الفضيلة والنزاهة الفكرية والمبدئية، وأيضا على من يمارس النشاط السياسي بصفة خاصة أن يكون معروفا عنه تمتعه بأخلاق عالية فضلا عن الصدق والإخلاص في العمل وخلو ذمته المالية من السوابق .
  • – تعرية وكشف “المافيا” و أنشطتها اللامشروعة من خلال و سائل الإعلام المختلفة ، وكذلك التعرض لأنشطتها الخطيرة خلال اللقاءات المختلفة

والندوات السياسية والإعلامية .

  • – تشديد العقوبات في قانون الانتخابات على كل أنواع الممارسات اللامشروعة للتأثير على الناخبين و بالذات استخدام المال من أجل شراء ذممهم، حتى لا ينحرف المسار الديمقراطي عن أهدافه، لأن الوضع الاجتماعي والاقتصادي الهش عندنا ، نتيجة انتشار الفقر المدقع بين أغلبية سكان البلد في الوقت الحاضر، يجعلهم قابلين للتأثر بهذا النوع من الممارسات اللامشروعة .
  • – اتفاق الأحزاب السياسية الفاعلة في الساحة الموريتانية والتي لها مصداقية ، وخاصة الأحزاب التي كانت في المعارضة في عهد نظام الفساد و الإفساد الطائعي، على منع رموز “المافيا” من الانضمام إليها ، وهذه المسألة ينبغي أن تكون مسألة مبدأ ، لأنها في غاية الصعوبة ، لأن أغلبية أحزاب المعارضة تفتقر إلى الإمكانيات المالية ، ورموز “المافيا” لديهم من الأموال ما يمكنهم من تمويل أنشطة الأحزاب التي تقبلهم أعضاء فيها أو قياديين لها.

 

و إذا كنا في الأسطر الماضية حاولنا تقديم ما هو مطلوب من النخب المثقفة

والفاعلين السياسيين، لعلها تكون دعوة للجميع للقيام بما هو مطلوب منهم في الوقت الحاضر، لتخليصنا من الماضي الكئيب الذي يرمز إلى كل أنواع المعاناة التي عاشتها مجموعة بشرية في الزمن المعاصر ، وإدخالنا إلى بداية الطريق الصحيح الموصل إلى بوابات التاريخ ، والقطيعة مع ممارسات رجال عهد الفساد والإفساد الطائعي ، الذين ليس لهم من صفات الرجال إلا أحرف الكلمة وليس لهم  من همم الرجال إلا غرائز الثيران .

فإن ذلك يعني أننا في الوقت الحاضر نحتاج إلى رجال لهم همم العظماء وعقول العلماء ورحمة وتسامح الحكماء وإنسانية الإنسان في معانيها السماوية وأخلاق الأنبياء .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *