تقرير الحلقة النقاشية حول: أي مواصفات للحكومة المطلوبة لتنفيذ برنامج “طموحي للوطن”؟ المنظمة من طرف المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية يوم 15 يوليو 2024 بفندق موريسانتر
تقرير الحلقة النقاشية حول:
أي مواصفات للحكومة المطلوبة لتنفيذ برنامج “طموحي للوطن”؟
المنظمة من طرف المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية يوم 15 يوليو 2024 بفندق موريسانتر
نظم المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية، حلقة نقاشية حول: “أي مواصفات للحكومة المطلوبة لتنفيذ برنامج “طموحي للوطن”؟، يوم الإثنين الموافق 15 يوليو 2024 بفندق موريسانتر.
جاءت هذه الحلقة في سياق النقاشات العلمية والأكاديمية والأسئلة المطروحة لانتظارات
الرأي العام لما بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي نظمت يوم 29 يونيو 2024، والتي فاز فيها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لمأمورية ثانية، وشارك في هذه الحلقة العلمية عدد من الباحثين والأساتذة الجامعيين والخبراء والإعلاميين، إلى جانب حضور معتبر من الفاعلين السياسيين (وخاصة من حزب الانصاف)، وكذلك بعض قادة الرأي من منظمات المجتمع المدني المؤثرين في الساحة الوطنية.
وقد تضمنت الحلقة النقاشية المحاور التالية:
أولا: محاضرة افتتاحية لرئيس المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية
ثانيا: مداخلات الحضور حول مواصفات ونوعية الحكومة المنتظرة
ثالثا: الخلاصات والتوصيات
المحور الأول: المحاضرة الافتتاحية لرئيس المركز
في بداية حديثه قدم رئيس المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية الدكتور ديدي ولد السالك، كلمة رحب فيها بالحضور، وشكرهم على مشاركاتهم في هذه الحلقة النقاشية، التي يكتسي موضوعها أهمية خاصة، ارتباطا بالوضع الموريتاني الراهن وبتوقيتها، طالبا من المشاركين التركيز في مداخلاتهم على موضوع الحلقة، وتقديم مقترحاتهم بشأن مواصفات الحكومة المنتظرة.
وتوقف في حديثه عند ثلاثة نقاط، اعتبر أنها شديدة الصلة بالقضايا التي ينبغي أن تكون الحكومة المنتظرة قادرة على الاستجابة لها وتنفيذها على الوجه المطلوب.
وجاء عرض رئيس المركز، كما يلي:
أولا: السياق الموريتاني الذي تتشكل الحكومة في ظله ولمواجهته.
بدأ رئيس المركز حديثه مخاطبا الحضور بقوله: لا شك أنكم تعرفون أن جميع دول العالم تواجه الان تحديات كبيرة، مهما كانت هذه الدول قوية أم ضعيفة، بفعل تداعيات “وباء كورونا”، الذي كشف الكثير من نقاط ضعف العديد من الدول، بالإضافة إلى تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية على العالم، وتداعياتها غير المعروفة حتى الساعة، والتي قد تقود إلى حرب عالمية ثالثة، تكون من تداعياتها حرب نووية، إلى جانب الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني المدعومة من أغلبية الدول الغربية، فضلا عن أزمة منطقة الساحل الإفريقي المتفاقمة، التي حولت أغلبية دولها إلى دول فاشلة، تتصارع على أراضيها مليشيات وعصابات الارهاب والجريمة المنظمة، والدول الكبرى الطامعة في ثرواتها.
مضيفا أن موريتانيا على غرار المجتمع الدولي تواجه تحديات كبيرة، وقد فاقم من أوضاعها تراكم تلك المشاكل والتحديات الداخلية على امتداد العقود الماضية، ومن الناحية المنهجية يمكن تقسيمها إلى ثلاث مستويات، رغم أنها تبقى متداخلة ومتشابكة مع بعضها البعض، كما يلي:
1. التحديات الحارقة:
وقد أبرز المحاضر أن هناك سبع تحديات، حارقة وملحة لا تقبل التأجيل، على الحكومة المنتظرة أن تضعها ضمن أولويات أجندتها، بوصفها تهدد حاضر ومستقبل موريتانيا، وهذه التحديات الحارقة، هي:
• الفساد:
الذي استشرى كثيرا خلال العقود الماضية، وأصبح يمثل أزمة بنيوية حقيقية، وخطورة الفساد تكمن في أنه يغذي ويعمق المشاكل والتحديات الأخرى التي تواجهها موريتانيا.
• الهجرة:
ونبه المحاضر إلى أن موريتانيا تعاني حاليا نوعين من الهجرة، هجرة مغادرة وهجرة وافدة: وتتمثل الهجرة المغادرة في هجرة شريحة الشباب الكثيفة إلى الخارج، وتكمن خطورة هذا النوع من الهجرة في مخلفاته الاجتماعية والثقافية والنفسية والاقتصادية، لأنها تفرغ البلد من طاقاته الحيوية، التي هي عماد النشاط الاقتصادي وأداة وغاية التنمية. حيث تشير التقارير الصادرة عن بعض أجهزة الأمم المتحدة، إلى أن كل موريتاني يغادر يحل محله خمسة أجانب، وهذا الوضع إذا استمر قد يحول البلد إلى وطن بديل للمهاجرين، وما يترتب على ذلك من مخاطرة أمنية وثقافية واقتصادية.
• الجريمة المنظمة:
وذكر المحاضر أن الجريمة المنظمة، تزايدت في السنوات الأخيرة بشكل كبير، ومن المعلوم أن لها تداعيات أمنية واقتصادية ونفسية على المجتمع والدولة، ولا تقتصر أضرارها على هذا فقط، بل لها تأثيرات على الاستقرار، وطاردة للاستثمار الاجنبي الذي تحتاجه موريتانيا في الوقت الحالي. وإذا استفحلت في أي بلد قد تؤدي إلى انهياره، وما تجربة هايتي التي انهارت تحت ضربات عصابات الجريمة المنظمة إلا نموذجا على ذلك، مما يتطلب وضع استراتيجية لمواجهتها قبل أن تتحول إلى ميليشيات تهدد كيان الدولة.
• الخطاب الشرائحي:
وأشار المحاضر إلى أن الخطاب السياسي بشكل عام، في كل الدول قد يأخذ طابعا قبليا أو عرقيا أو شرائحيا أو طائفيا، ولكنه في السنوات الأخيرة، أخذ منحا تحريضيا خطيرا في موريتانيا، وهذا الخطاب يتغذى على التهميش والغبن وقصور السياسات التنموية، التي انتهجت في العقود الماضية، وإذا لم توضع له سياسات لمواجهته والقضاء على أسبابه، قد يهدد النسيج الاجتماعي واستقرار الدولة.
• أزمة التعليم:
وأشار إلى أن التعليم شهد تدهورا متواصلا خلال العقود الماضية أوصلته إلى أزمة حادة، وخير مثال على ذلك، أن نسبة النجاح في شهادة الباكالوريا خلال العقدين الأخيرين تراوحت ما بين 7 و15 في المئة، وما يؤكد خطورة ذلك، أن دراسة حديثة تشير إلى أن كل مائة تلميذ يدخلون المدرسة لا يكمل منهم مسيرته الدراسية ويعيش حياة طبيعية إلا حوالي 12 في المئة فقط. مما يستخلص منه بداهة أن أغلبية القوى الحية يتم تعطيلها، مما يستدعي ضرورة اصلاع التعليم بشكل جذري وشامل دون تأخير.
• أزمة الشباب:
وقد انجر عن أزمة التعليم أزمة حادة للشباب في موريتانيا، الذي أصبح عاطلا لعدم تأهيله لدخول سوق العمل، وبالتالي أصبحت الخيارات أمامه إما دخول عالم الجريمة أو الإرهاب أو الهجرة عن البلد. ما يستدعي التفكير في ايجاد حلول لأزمة الشباب، وبطرق غير تقليدية.
• أزمة التصحر:
وعدّ المحاضر هذا التحدي من التحديات الحارقة، بسبب انعكاساته البيئية وما ينجر عن ذلك من تأثيرات على حياة الانسان اليومية، مؤكدا أنه لا حياة في بلد تصحرت أراضيه ولم تعد تملك أي موقوم من مقومات الحياة الطبيعية، ما يستدعي رسم سياسات واستراتيجيات لمواجهة التصحر وتداعياته.
• أزمة موت قيم العمل:
واعتبر أن موت قيم العمل في المجتمع الموريتاني، يشكل أزمة حادة لا يتم الحديث عنها بالشكل الكافي، والأخطر أن الأغلبية لا يعي انعكاساتها على مستقبل البلد، فالمجتمعات تحيا بالعمل، كجسم الانسان يحيا بالعمل. وعندما تموت قيم العمل في مجتمع من المجتمعات فإنه ذاهب في صيرورة الموت، وفي موريتانيا اليوم كل مناشط الحياة يقوم بها أجانب حتى داخل البيوت، وبالتالي كل الخدمات في البلد قائمة على الأجانب، بدءا من البناء والزراعة ورعي المواشي وانتهاء بخدمة البيوت.
2. التحديات الضاغطة:
وهي التحديات المرتبطة بالحياة اليومية للمواطنين، وبظروف عيش جميع السكان في موريتانيا، ومن أبرزها:
• ضعف القوة الشرائية.
• الفقر.
• البطالة.
• وضعف الخدمات عموما…إلخ
3. التحديات الاستراتيجية:
استدل المحاضر بمقاربات وأطروحات المفكر الفرنسي جاك أتالي، في دراسة له عن تداعيات وآثار كورونا على العالم التي أبرز فيها أهمية ما صار يعرف ب “مقومات اقتصاديات الحياة” لكل دول العالم، والتي أكد فيها أن أي بلد لا يتوفر على هذه المقومات مهدد في كينونته وسيادته، وحدد هذه المقومات في سبع موضوعات، وهي:
الأمن الغذائي.
الأمن الصحي.
الأمن المعرفي.
الأمن الطاقوي.
الأمن البيئي.
الأمن السبراني.
وأشار المحاضر إلى أنه من الواضح أن موريتانيا للأسف لا تتوفر على واحدة من هذه المقومات، ولخطورة هذه التحديات شرعت كل دول العالم في وضع استراتيجيات لمواجهتها، خوفا من تكرار وباء مثل وباء كورونا، وتوقعا من تلك الدول لمخاطر تزايد الصراعات والحروب في المستقبل أو استمرار الصراعات والحروب الدائرة حاليا والتي من غير معروف مآلاتها، مؤكدا أن بعض الخبراء في مجال العلاقات الدولية يتوقعون صراعات ممتد في الزمن خلال العقود القادمة، قد تؤدي إلى حروب نووية، ستوقف إذا حصلت كل الامدادات في مجال الاغذية والادوية، مما يفرض على كل صانعي القرارات في مختلف دولة العالم وضع استراتيجيات لرفع هذه التحديات وتأمين بلدانهم من هذه المخاطر في المستقبل، واستشعارا بأهمية “مقومات اقتصاديات الحياة”، شرعت بعد البلدان في تحويل القطاعات المعنية بها إلى وزارات سيادة.
ثانيا: المطلوب من الحكومة المنتظرة لمواجهة التحديات وتنفيذ برنامج طموحي
قال رئيس المركز في الجزء الثاني من المحاضرة بأن: الحكومة القادمة مطلوب منها مواجهة هذه التحديات الحارقة والضاغطة والاستراتيجية، وفي نفس الوقت تطبيق برنامج الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الذي انتخبه الشعب الموريتاني على أساسه.
مذكرا في هذا السياق بأطروحة لأحد الاقتصاديين الجزائريين يقول فيها: (إنه لكي تنجح دولة ما، عليها أن تترك العلماء يخططون ويضعون الاستراتيجيات، وأن تختار الأكثر كفاءة من التكنوقراطيين لتنفيذ تلك الاستراتيجيات، وأن تختار الأكثر خبرة وتبصرا لمتابعة وتقييم وتوجيه السياسات المنبثقة عن تلك الاستراتيجيات).
مضيفا أن أي دولة توجد فيها ممارسة ديمقراطية وتداول سلمي على السلطة، شهدت انتخابات رئاسية، تكون الأولوية فيها لتنفيذ برنامج الرئيس المنتخب، وأداة تنفيذ هذا البرنامج هي الحكومة. وما دامت موريتانيا تعيش مشاكل داخلية صعبة وتحديات خارجية ضاغطة، فإن ذلك يحتم أن تكون الحكومة المنتظرة تملك من الكفاءات، والمعارف والخبرات التي تمكنها من وضع الاستراتيجيات المستجيبة لمتطلبات المرحلة، ولتكون هذه الحكومة مؤهلة لمواجهة التحديات التي سبق ذكرها من جهة، ومن جهة أخرى قادرة على تنفيذ البرنامج الذي وضعه رئيس (طموحاتي).
اقترح المحاضر لكي نخرج من الأساليب والآليات التقليدية لإدارة الشأن العام، استحداث آليتين مؤسستين:
ـ أولاهما آلية مؤسسية علمية، في شكل مجلس وطني علمي، تحت مسمى: (المجلس الوطني للاستراتيجيات، أو المجلس الوطني للأمن القومي)، تكون مهمة هذا المجلس وضع الاستراتيجيات وخطط التنمية في موريتانيا.
ـ ثانهما آلية مؤسسية مهمتها متابعة وتقييم العمل الحكومي، من أجل تصويب الأخطاء ومراجعة الاختلالات في وقتها، مع ضرورة تزويد هذه الآلية المؤسسية بالمصادر البشرية والموارد المالية التي تمكنها من القيام بعملها.
في هذا السياق تساءل المحاضر عن نوعية الحكومة التي تحتاجها موريتانيا في هذه الظرفية: هل هي حكومة كفاءات؟
أم حكومة تكنوقراط؟
أم حكومة وحدة وطنية؟
أم حكومة محاصصة؟
وتوقف المحاضر لتبيان الفروق بين حكومة الكفاءات وحكومة التكنوقراط، من الناحية الأكاديمية موضحا أن:
حكومة التكنوقراط: هي الحكومة التي يتألف أعضاؤها من فنيين لا علاقة لهم بالسياسة، لا يمارسونها ولا يفكرون من خلالها ولا يشتغلون بها، فهم يشتغلون فقط بصفتهم فنيين وخبراء.
موضحا في نفس السياق معنى الخبير، وهو الشخص الذي يمتلك معارف علمية تحصل عليها من جامعات معترف بها، ثم اكتسب الخبرة والدراية في الميدان والعمل، بما يؤهله لأن يصبح خبيرا، بعبارة أخرى: العرفة زائد التجربة الميدانية تساوي الخبرة.
أما حكومة الكفاءات: يفترض في أعضائها الكفاءة والخبرة والقدرة على رصد الاستراتيجيات والقدرة على تنفيذ السياسات، وقد يكونون من السياسيين، كما قد يكونون من التكنوقراط والفنيين، وهذا هو الحاصل في الكثير من دول العالم، حيث تجمع الحكومات بين مواصفات حكومة الكفاءات ومواصفات حكومة التكنوقراط.
وأضاف المحاضر أن الوضع في موريتانيا يحتاج لحكومة كفاءات، على أن يختار أعضاء الحكومة المنتظرة على أساس معايير موضوعية، يكون من بين تلك المعايير: المعرفة والخبرة، زائد مؤهلات الكفاءة والقدرة على تنفيذ السياسات، أي أن يكون أعضاء تلك الحكومة مشهود لهم بالخبرة والدراية في إدارة المؤسسات وتسييرها، بغض النظر عن كونهم من السياسيين، أو من التكنوقراط.
وبخصوص حكومة الوحدة الوطنية: بين المحاضر أن هذا النوع من الحكومات، تمثل فيه عادة كل تشكيلات الطيف السياسي، وكل الفاعلين في الحياة العامة.
أما حكومة المحاصصة: ذكر المحاضر أن هذا الخيار لا يقدم جديدا، إذ جربناه في العقود الماضية، منذ بداية ما عرف بالمسلسل الديمقراطي، أو ما أسماه: “ديمقراطية لابول في موريتانيا”. مضيفا أن الحكومات التي تم تشكيلها خلال العقود الثلاثة الماضية كانت حكومات محاصصة، معتبرا أن أخطر شيء على الدول هو حكومات المحاصصات، لبعدها عن معايير الكفاءة وصعوبة الاختيار من بين مختلف مكونات المجمع في الدولة.
فهل يتم الاختيار على أساس العرق؟ أم القبيلة؟ أم الشريحة؟
وإذا معيار الاختيار على أساس عرقي فأي المجموعات العرقية يتم اختيار من بينها؟
وإذا كان على أساس القبيلة فمن أي فخذ أو عائلة؟
وإذا كان من الشريحة فكيف يتم الاختيار من بين أفرادها؟
خاصة أن موريتانيا تضم تركيبة اجتماعية معقدة لا مثيلة لها إلا في الهند، وهو ما أشار إليه الباحث الفرنسي فيليب مرشزين في كتابه: “القبيلة، الاثنية، والسلطة في موريتانيا”، حيث ذكر أن موريتانيا تضم أكثر من 470 قبيلة.
السؤال المطروح: هل يمكن لحكومة ما أن تضم هذا العدد من الوزراء إذا افترضنا فيها تمثيل كل قبيلة؟
فأكثر الحكومات عددا في العالم لم تتجاوز عتبة الـ 50 عضوا، بل إن المعدل العادي للحكومات يكون في الغالب ما بين 25 عضوا و30 عضوا أو 35 عضوا، والدول التي جربت المحاصصة، رأينا إلى أين قادتها هذه المحاصصة، مثل: لبنان والعراق.
ثالثا: مواصفات تشكيل حكومات ناجحة في تجارب بعض الدول
خصص رئيس المركز الجزء الأخير من المحاضرة، للحديث عن المواصفات التي تعتمدها دول العالم في مجال اختيار أعضاء حكوماتها، وقال: إن هناك قاعدة يجمع أكثر الدارسين عليها، كمعيار لتشكيل الحكومات، تفيد بأن حكومات العالم تأتي من أربعة أصناف من الأشخاص، وهم على النحو التالي:
• سياسي معروف محنك أثبت نجاحه في العمل السياسي: وأصبح جديرا بأن يتولى منصبا سياسيا.
• خبير دولي اشتغل في الهيئات الدولية: وأصبح له خبرة في ميكانيزمات العمل الدولي، فيتم تعيينه وزيرا ليستفيد بلده من خبرته وعلاقاته الدولية.
• مديرو المؤسسات الكبيرة: الذين أثبتوا نجاحهم في تسيير مؤسساتهم وجدارتهم في قيادتها، فيصبحوا مؤهلين لتعيينهم وزراء لقدرتهم على التسيير والقيادة.
• أساتذة الجامعات المميزين: فالجامعيون المميزون المعروفون بمعارفهم، يتم تعيينهم عادة في الحكومات، للاستفادة من معارفهم وقدرتهم على بناء استراتيجيات وتوجيه عمل الحكومة.
وانطلاقا من المعايير السابقة قدم المحاضر أربعة نماذج من الدول الناجحة في اختيار حكوماتها، وهذه الدول هي: تونس، السنغال، فرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية.
وذكر أن سبب اختياره لتونس والسنغال، يرجع إلى العلاقات التي تربطهما مع موريتانيا، جغرافيا وثقافيا، واجتماعيا، وسياسيا واقتصاديا. أما سبب اختياره لفرنسا لعلاقاتها التاريخية واستمرار تأثيرها في السياسة الموريتانية، في حين أن اختيار الولايات المتحدة الأمريكية يرجع إلى تأثيرها عالميا.
النموذج التونسي:
يقول الصحفي الفرنسي المشهور Paul Balta في كتابه: (Le Grand Maghreb): إن أكفأ حكومات افريقيا خلال الـ 50 سنة الأولى من الاستقلال هي الحكومة التونسية، موضحا أنها كانت تتشكل من حيز جغرافي لا تتجاوز مسافته 17 كلم، أي المسافة الفاصلة بين مدينتي ومنستير وسوسه، وأغلبية أعضاء حكومات تونس في عهد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، تم اختيارهم من هذا الحيز الجغرافي الضيق. وعليه لا ضير في أن تكون الحكومة مشكلة من منطقة جغرافية واحدة، لأن الأمر المهم في تشكيل أي حكومة الذي ينبغي التركيز عليه هو معيار الكفاءة، وبالتالي لا أهمية للاعتبارات الجهوية أو الجغرافية أو القبلية أو الشرائحية.
النموذج السنغالي:
وتعتبر الحكومات السنغالية خلال العقود الماضية من أكثر الحكومات كفاءة مقارنة مع دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا التي هي عضو فيها، وجرت العادة في تشكيل الحكومات السنغالية أن تكون مزيجا من السياسيين والخبراء والتكنوقراط والفنيين، وغالبا ما كان يتم اختيار أعضاء الحكومة في هذا البلد على أساس معيار الكفاءة والمعرفة في مجال الاختصاص، بغض النظر عن الخلفية العرقية أو الفئوية أو الجهوية.
النموذج الفرنسي:
تعتبر جميع حكومات فرنسا في ظل الجمهورية الخامسة حكومات سياسية، لكن السياسيين الفرنسيين يتميزون بخاصية فريدة وهي: إتقان ملفاتهم التي يديرونها، والاطلاع بشكل مفصل على كل القطاعات الحيوية في الدولة، فالنخبة الفرنسية التي في أغلبيتها خريجي مدرسة الادارة بباريس، يعتبرون على نطاق واسع من أكثر النخب السياسية اطلاعا في العالم.
النموذج الأمريكي:
والوزراء في أمريكا يأتون غالبا من فيئتين:
الفئة الأولى، تأتي من أساتذة الجامعات ومراكز الدراسات (Think Tank)
أما الفئة الثانية، فتأتي من مديري الشركات العالمية الكبرى، وخاصة من قطاعي المجمع الصناعي العسكري، ومجمع الصناعات البترولية. لأن مدراء هذه الشركات في الولايات المتحدة الأمريكية، عادة يمتلكون خزان من المعلومات عن العالم لا يمتلكها بعض رؤساء الدول، لأن هؤلاء المدراء يقودون شركات عالمية كبرى يعتبر نشاطها الاقتصادي والمالي أكبر من كثير من دول العالم.
اختتم المحاضر حديثه بتذكير الحضور بسؤال الحلقة النقاشية الرئيسي وهو: ما هي مواصفات المطلوبة في الحكومة المنتظرة التي ينبغي أن تقود موريتانيا إلى النهوض والخروج من حلقة التخلف؟ وأي نوع من الحكومات تحتاجها موريتانيا في الوقت الحالي؟
ثانيا: مداخلات ومقترحات الحضور حول المواصفات المطلوبة في الحكومة الجديدة
شارك في نقاشات الحلقة حوالي خمسين شخصا من الحضور، وانصبت مداخلاتهم على المواصفات المأمول توافرها في أعضاء الحكومة المنتظر تشكيلها، مع تركيز حديثهم على المهام والأولويات التي ينبغي للحكومة أن تعكف عليها، في سبيل تنفيذ برنامج الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، ويمكن إجمال مداخلات الحضور في موضوعين، على النحو التالي:
أ/ المواصفات المطلوب توافرها في أعضاء الحكومة المنتظرة.
وركزت مداخلات الحضور على ضرورة تشكيل حكومة فعّالة في موريتانيا، يكون من مواصفات أعضاءها، ما يلي:
1. النزاهة والأخلاق العالية: أن يكونوا معروفين بنزاهتهم وأخلاقهم العالية، وأن يكونوا بعيدين عن شبهات الفساد.
2. الإلمام بالقوانين والتشريعات: فهم شامل للقوانين والتشريعات الوطنية والدولية وكيفية تطبيقها بشكل صحيح، والالتزام بتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في كافة السياسات والإجراءات الحكومية.
3. الابتعاد عن المحاصصة: أي شبهة التعيينات على أساس اللون أو العرق أو الجهة أو الشريحة.
4. التجديد والتغيير: أن تتضمن الحكومة المنتظرة وجوها جديدة، للتعبير عن عهد جديد، قادرة على الاصلاح والانجاز.
5. الإلمام بالتكنولوجيا: فهم جيد للتكنولوجيا الحديثة وكيفية استخدامها لتحسين أداء الحكومة وتقديم الخدمات بشكل أفضل، مع إدراك بأهمية الوعي بالاقتصاد الرقمي في المستقبل، وبالذكاء الاصطناعي، وأحدث الابتكارات في إدارة الحكومة وتقديم الخدمات.
6. الخبرة المحلية والدولية: تمتلك فهماً عميقا لطبيعة المجتمع الموريتاني ومتطلبات العصر.
7. الخبرة والكفاءة: يجب أن يكون لدى الأعضاء خلفيات مهنية، وخبرات في مجالاتهم، مع القدرة على إدارة الملفات بشكل فعّال، مع ضرورة اسناد لهم الحقائب التي هي في مجال اختصاصهم.
8. الشفافية والانفتاح: ضرورة توفر الشفافية في التسيير والانفتاح في العمل الحكومي والقدرة على التواصل مع الجمهور.
9. القدرة على التعاون والتنسيق: يجب أن يكونوا قادرين على العمل بروح الفريق والتنسيق بين مختلف الوزارات والهيئات الحكومية، في إطار الاستقلالية والمرونة والتكيف مع التغيرات السريعة للظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
10. التخطيط المالي الجيد: القدرة على إدارة الموارد المالية بكفاءة، وتخطيط الميزانيات بشكل دقيق.
11. الاهتمام بقضايا البيئة والتغيرات المناخية: ووضع سياسات تهدف إلى مواجهة التغيرات المناخية وحماية البيئة.
12. الاهتمام بمشاكل الشباب والهجرة: القدرة على الالمام بقضايا الشباب وأسباب الهجرة، وخلق سياسات للحد من البطالة وتوفير فرص للعمل والتكوين والتشغيل، بما يعزز الاندماج الاجتماعي ومكافحة الاقصاء.
13. الوزير الأول: بما أن دوره محوري في تنسيق عمل الحكومة، يجب أن تكون له خلفية في العلوم الاجتماعية.
ب/ نوعية الحكومة المنتظرة.
تأرجحت الآراء بخصوص نوعية الحكومة، هل تكون حكومة وحدة وطنية، أم حكومة سياسية، أم حكومة كفاءات، مع أن آراء الأغلبية جاءت مطالبة باستبعاد حكومة المحاصصة عن الحكومة القادمة، معتبرين أنه لا يهم لون الوزير أو انتماءه العرقي أو البلي أو الشرائحي، وإنما المهم القدرة على إدارة قطاعه وتقديم الخدمات للمواطنين. في حين ذهب البعض إلى أن هذه الحكومة القادمة يجب أن تكون جوابا على الأسئلة التالية: ماذا يريد المواطن من الحكومة القادمة؟ ماذا يريد الشباب؟ وماذا تريد الطبقة السياسية؟ وفي الخلاصة تمحورت مداخلات الحضور على نوعية الحكومة القادمة كما يلي:
1/ حكومة سياسية: على أن تستجيب الحكومة الشروط التالية:
• أن تكون تلك الحكومة المنتظرة قادرة على استخلاص الدروس والعبر من التجارب الماضية.
• أن تكون قادرة على فهم تعقيدات الواقع الموريتاني الداخلي وكذلك فهم تحديات المحيط الدولي والاقليمي.
• أن يكون تشكيلها وفق معايير واضحة.
• أن تقتصر تشكيلة هذه الحكومة على الأغلبية الرئاسية.
• أن تكون قادرة على استيعاب التكليف والتفويض.
2/ حكومة وحدة وطنية: ورغم صعوبة اعتراف البعض بصعوبة تشكيل حكومة وحدة وطنية لكن الآراء اتفقت على أنها ينبغي أن تراعي الشروط التالية:
• الخصوصية الموريتانية.
• التنوع الثقافي والعرقي.
• أن تكون حكومة إصلاح.
• أن تكون حكومة شفافية.
• أن تكون من الأوجه الجديدة.
3/ حكومة كفاءات: ينبغي أن يكون المعيار الوحيد المعتمد في تشكيلها، هو الكفاءة وإرادة الإصلاح والقدرة عليه، على أن تضم تكنوقراط وسياسيين وأساتذة جامعيين.
التوصيات:
يمكن حصر أبرز التوصيات التي تمخضت عن الحلقة النقاشية في النقاط التالية:
1/ حكومة كفاءات، تضم خبراء وفنيين وأساتذة جامعيين.
2/ أن تشكل على أساس النزاهة والخلو من الفساد.
3/ وزير أول تكون له خلفية في العلوم الاجتماعية.
4/ اشراك الشباب والاهتمام بمشاكله.
5/ اشراك المرأة في المناصب الوزارية السيادية.
6/ الاهتمام بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
7/ اعتماد الخبرة والمعرفة والتخصص.
8/ إنشاء آلية مؤسسية علمية، في شكل مجلس وطني علمي، تحت مسمى: (المجلس الوطني للاستراتيجيات، أو المجلس الوطني للأمن القومي).
9/ وآلية مؤسسية ثانية مهمتها متابعة وتقييم العمل الحكومي.